كتابة السيناريو… خطوات إجرائية

السلام عليكم


يحدث كثيرا عندما نشاهد فيلما أو عملا تليفزيونيا أن ننفعل معه ونتعايشه بحيث يصعب علينا تصديق أنه لا يدور على أرض الواقع من شدة طبيعيته , وفى المقابل قد نجد أعمالا أخرى ما أن نشاهدها حتى نشعر بعدم واقعيتها وأن ابطال العمل الفنى أنما يتكلفون الأداء التمثيلى فلا نقتنع بفكرة الفيلم أو المسلسل

ليس السبب فى ذلك المخرج أو الممثلون , بل السيناريو المحكم الذى أمكنه نقل وتصوير المشهد الى المشاهد بدقة وحنكة وروعة بحيث جعل المشاهد يندمج فى العمل الفنى ويعايش أحداثه .

فلو كنت تملك مخرجا عبقريا , وطاقم تمثيل قدير متمكن , وفنيون أكفاء فماذا ينتجون لنا من أفلام ومسلسلات ؟
أعطهم السيناريو , أول شىء فى مرحلة الإنتاج , بدونه لا يستطيع المخرج رؤية عمله وبدونه لا يستطيع الممثلون التحرك والتحدث داخل الفيلم وبدونه لا يستطيع الفنيون عمل شىء

فالسيناريو هو أهم جزء فى انتاج العمل الفنى لأنه يحدد على وجه الدقة ما الهدف الذى يتوجب انجازه بواسطة كل هذا الطاقم المبدع القدير .

الغرض من السيناريو أنه يقوم بنقل الفكرة التى تدور بذهنك وعقلك الى الشاشة بنفس الشكل والهيئة التى تبدو بها داخل العقل , وكتابة السيناريو ليست بالأمر الصعب إذن , ولكن جعله يعكس بدقة الفكرة والمشهد والتصور الذى دار بمخيلتك هو المحك الحقيقى لعمل سيناريو جيد واتقان فنه الممتع .

وعبر الأسطر التالية نحاول أن نتلمس طريقنا الى الأسس الراسخة التى يمكنك بإتباعها نقل أفكارك وقصصك الى سيناريو مدته دقيقتان على الشاشة , والى سيناريو حلقة تليفزيونية مدتها 30 دقيقة , والى سيناريو فيلم كامل مدته ساعتان .


سيناريو الدقيقتان :

غالبا يكون هذا السيناريو لإسكتش كوميدى أو فقرة طريفة سريعة , وهناك قاعدة هامة ضعها دوما نصب عينيك , وهى أن كل صفحة تكتبها فى السيناريو تقدم لنا على الشاشة دقيقة من العمل الفنى تقريبا .

فإذا لم تكن قد وضعت أى شىء عن فكرتك على الورق بعد , فافعل ذلك الآن , فقط نبذة سريعة عما تنوى عمله , أى إطار عام مختصر .

والخطوة التالية هى اتباع حيلة من الخارج - الى - الداخل .

تناول فكرتك وضع لها تجهيزاتها المناسبة , وفى اسكتش مدته دقيقتان , ستكون أحداث مشهدك غالبا بحجرة واحدة كالمطبخ أو غرفة المعيشة أو حجرة النوم أو ممر جانبى , وما أن تحدد ذلك وتضعه فى إعتبارك فستكون قد وضعت لتوك إطارا تجرى بداخله أحداث قصتك أو بالأحرى مشهدك

يلى هذه الخطوة , أن تضع شخصياتك , ومع ضيق الوقت المتاح لك والمحدد بدقيقتين فإنك غالبا لن تحتاج لأكثر من شخصية أو اثنتين , لكن لا تحدد نفسك بهذه القيود انما اتبع متطلبات فكرتك .

أنت الآن قد وضعت إطارا للأحداث ولديك شخصيات الموقف , يمكنك الآن أن تبدأ الحوار والحركة , وجدير بالذكر أنه ليست هناك قيود على الحركة ولا الحوار لكن عليك أن تجعل ما يحدث مقنعا ويسير فى نطاق فكرتك الرئيسية
لابد أن تكون الحركة طبيعية , وغالبا سيقوم الممثل والمخرج بتحديد قدرها , لابد أن يكون الحوار مشابها لحوار البشر الطبيعيين .

يبدو هذا منطقيا ولكن الحوار يمكن أن يكون خادعا فإن ما تريد قوله ليس بالضرورة مشابها لما قد يقوله الأشخاص الطبيعيون فى حياتهم , لذلك تعلم أن تستمع للكيفية التى يتحدث بها الناس فى مختلف شئون حياتهم وانقل ذلك الى حوارك .

ما أن يتم الإنتهاء من كل ذلك , فأنت للتو قد كتبت مشهدا سينمائيا , لقد تناولت فكرتك , ومررت بها من الخارج - التجهيزات والأشخاص - الى الداخل - الحركة والحوار - ويمكنك الآن مشاهدة هذا المشهد القصير على الشاشة فى دقيقتين .

لا تتوقف عن إعادة كتابة مشهدك وتحسينه وإضافة وتغيير ما تراه مناسبا وتجنب دوما عادة الوقوع فى عشق كتابتك الأولى والتشبث بها بل أعد قراءة مشهدك مرارا حتى ترضى عنه تمام الرضاء .


سيناريو 30 دقيقة :

هنا تقع المتعة الحقيقية , مطلوب منك الآن كتابة 30 صفحة من السياريو كل واحدة تمثل دقيقة على الشاشة , ولتملأ الصفحات بمختلف التجهيزات وعديد الشخصيات والحركة الجادة وحجم ضخم من الحوار .
لكن إذا قمت بتقطيعها فأنت ستقوم بصنع عدة مشاهد متكاملة ومرتبطة فيما بينها .
ومرة أخرى ستضع إطارك العام للعمل والقصة لكن أكثر تفصيلا هذه المرة .
سوف نواصل اتباع سياسة من الخارج الى الداخل لكل مشهد لكن ستحتاج أن يكون هناك هدف مركزى لكل هذه التحركات , قد يكون شخصية محورية , أو موقف يتعين على شخصياتك التغلب عليه .
سيتعين عليك الإهتمام بالحبكة القصصية , راقب هذه الحبكة داخل كل مشهد تكتبه ولا تدعها تفلت منك خاصة بعد 5 - 10 صفحات الأولى فى السيناريو .

والحبكة هى مرشدك الى كيفية جعل كل الشخصيات والأحداث تتناغم وتتوافق معا , وتخبر مخرج العمل كيف ترتبط كل هذه المشاهد المتنوعة معا .

قد تكون وضعت مشهدا نهائيا متميزا أو مشهدا رائعا مثيرا داخل السيناريو , ستكون مهمتك التالية إذن أن تملأ الفراغ الزمنى حتى تصل الى هذه المشاهد .
وخير أداة لحل هذه المشكلة أن تلجأ لأحداث القصة الجانبية والتى قد تكون مختلفة عن المسار الرئيسى للقصة ولكنها تظل مشوقة ايضا للمشاهد .
إنتبه لهذه الشخصيات الجانبية الهامشية , فالكثير منها سيجعل النهاية ضعيفة غير مقنعة ويجعل من الصعب للغاية متابعة السيناريو , فى حين أن العدد المناسب من هذه الشخصيات يمكن أن يضيف الى العمل وتدعم الفكرة الرئيسية اذا أمكن الربط بينها بشكل ما .

من غير المحتمل أن كل مشهد من مشاهدك الثلاثين سيكون مبهرا , لكن إذا كان لديك 3 - 4 مشاهد رائعة , وبنيتها على شخصياتك الرئيسية مع الحركة والحوار , فستجد معك عملا جيدا يمكن إنتاجه للشاشة .

ومن المهم للغاية السيطرة على سرعة الأحداث , فلو كانت الحركة بطيئة والحوار مثير للملل , فإن مشاهدك الرائعة لن يلتفت اليها أحد لأن العمل سيكون قد فقد الإهتمام والمتابعة .


سيناريو فيلم مدته ساعتان :

الآن تواجه مهمة كتابة سيناريو مدته 120 صفحة ودقيقة , ماراثون طويل فى كتابة المشاهد , وسيتعين عليك استخدام كل ما تعلمته .
ابدأ بالإطار العام , ربما تحتاج لكتابة قصة قصيرة من 2 - 3 صفحات تتناول فيها الحبكة الفنية للعمل وأى أحداث جانبية ترغب إضافتها للفكرة الرئيسية .
فمع عمل بمثل هذا الوقت الطويل قد تجد نفسك تائها فى منتصف الطريق وستحتاج لخريطة لترشدك الى كيفية العودة للمضمار .

ستكون مشاهدك أكثر طولا , وسيمكنك تقديم أبطال قصتك بمزيد من التفصيل , فتظهر شخصياتهم , كيف ينظرون للعالم ولأنفسهم . وعلى هذا فإن كل ما يشعر به البطل سينتقل للمشاهدين , سيتعلقون بالعمل لدرجة لن يشعروا معها أنهم فى مقاعد المتفرجين , فإذا تمكنت من فعل ذلك فقد أمكنك جعل فكرتك مرئية ولها عالمها الذى للمشاهدين التفاعل معه ومتابعته .


مشاكل ثلاثة :

إثناء انتاجك للعمل قد تصادف ثلاثة اشياء تمثل لك عقبة فى طريق اتمام العمل

- الأفكار :
قد تواتيك فكرة رائعة جيدة للغاية واقول لنفسك - سوف اكتبها فيما بعد - لا تفعل ذلك , سوف تنسى كل شىء عتها , حاول دائما أن تحتفظ بقلم ومفكرة فى متناول يديك لتسجل على الفور أى فكرة تخطر بذهنك , فقط إطارها العام , يمكنك تنقيحها فيما بعد وتنميتها

النظام :
من الواضح أن العمل بأكمله يحتاج لوقت , فإذا كنت كاتب محترف أو هاو فأنت بحاجة لتنظيم الوقت , قد تحتاج لعدة ساعات يوميا لإنجاز عمل طويل , والأهم أن تبقى فى حالة تركيز على الفكرة , وأفضل وقت لإتمامها هو عندما تكون الفكرة ناضجة مشتعلة بذهنك , ولا تنسى أن تدون على الورق تجاربك الأولى فى معالجتها .

فقدان الرغبة فى الكتابة :
هذا أمر معروف تماما عند كتاب القصة والشعر والأدب , وهى حالة تنتاب الكاتب فجأة يجد نفسه عاجزا تماما عن مواصلة الكتابة ويفقد كل حرفيته الفنية وأسرار مهنته , وهى للأسف حالة سيئة مخيفة تمر بالكاتب وقد تحبطه عن العمل لأسابيع أو أكثر .
إذا مررت بهذه الحالة فحاول تغيير ما تقوم به وواصل الكتابة فإن عجزت فخذ قسطا من الراحة وابتعد عن الكتابة لفترة وافعل شيئا آخر لعلك أن تشفى من هذه الحالة سريعا .

وكمحاولة أخيرة تقوم بها , وهى أن تحاول كتابة 100 جملة وصفية عن شىء ما معتاد , مثل مصباح كهربائى , فإن عملية الإستغراق فى وصف شئ عادى تفصيليا قد تخرجك من حالتك السابقة .


الآن لديك الحيل والتقنيات والوسائل لتخرج فكرتك الى الحياة , وتذكر أن أفضل وسيلة لتنمية هذه المهارة هى ممارستها عمليا , فابدأ الآن وليس غدا .